فصل: أمر النيل في هذه السنة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


وتوفي السيد الشريف رميثة بن محمد بن عجلان مقتولًا خارج مكة في خامس رجب بعد أن ولي إمرة مكة في بعض الأحيان فلم تحمد سيرته وعزل‏.‏

وتوفي الشيخ الإمام الأديب الشاعر المفنن تقي الدين أبو بكر بن علي بن حجة بكسر الحاء المهملة الحموي الحنفي الشاعر المشهور صاحب القصيدة البديعية وشرحها وغيرها من المصنفات‏.‏

مات بحماه في خامس عشرين شعبان ومولده سنة سبع وسبعين وسبعمائة‏.‏

وكان أحد ندماء الملك المؤيد وشعرائه وأخصائه وولي إمامة عدة وظائف دينية وعظم في الدولة ثم خرج من مصر بعد موت الملك المؤيد إلى مدينة حماه واستوطنها إلى أن مات بها‏.‏

وكان بارعًا في الأدب ونظم القريض وغيره من ضروب الشعر مفننًا لا يجحد فضله إلا حسود ومن شعره مضفنًا مع حسن التورية‏:‏ الرجز سرنا وليل شعره منسدل وقد غدا بنو منا مضفرا فقال صبح ثغره مبتسما عند الصباح يحمد القوم السرى وله عفا الله عنه‏:‏ الخفيف في سويداء مقلة الحب نادى جفنه وهو يقنص الأسد صيدا لاتقولوا مافي السويدا رجال فأنا اليوم من رجال سويدا قلت‏:‏ وهذا بعكس ما قاله ابن نباتة والصلاح الصفدي فقول ابن نباتة‏:‏ السريع من قال بالمرد فإني امرؤ إلى النسا ميلي ذوات الجمال ما في سويدائي إلا النسا ماحيلتي ما في السويدا رجال وقول الصفدي‏:‏ المقلة الكحلاء أجفانها ترشق في وسط فؤادي نبال وتقطع الطرق على سلوتي حتى حسبنا في السويدا رجال فصرت من خصره وريقته أهيم بين الفرات والرقه ومما كتب إليه قاضي القضاة صدر الدين علي بن الآدمي الحنفي مضمنًا لشعر آمرىء القيس‏:‏ الطويل أحن إلى تلك السجايا وإن نأت حنين أخي ذكرى حبيب ومنزل وأذكر ليلات بكم قد تصرمت بدار حبيب لا بدارة جلجل شكوت إلى الصبر اشتياقي فقال لي‏:‏ ترفق ولا تهلك أسى وتجمل فقلت له‏:‏ إني عليك معول وهل عند ربع دارس من معول فأجابه الشيخ تقي الدين بن حجة المذكور بقوله‏:‏ سرت نسمة منكم إلي كأنها بريح الصبا جاءت بريا القرنفل فقلت لليلي مذ بدا صبح طرسها‏:‏ ألا أيها الليل الطويل ألا انجل ورقت فأشعار آمرىء القيس عندها كجلمود صخر حطه السيل من عل فقلت‏:‏ قفا نضحك لرقتها على قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل وتوفي ملك الغرب وسلطانها أبو فارس عبد العزيز المتوكل ابن أبي العباس أحمد بن محمد بن ذي الحجة عن ست وسبعين سنة بعد أن خطب له بقابس وتلمسان وما والاهما من المدن والقرى إحدى وأربعين سنة وأربعة أشهر وأيامًا‏.‏

وكان خير ملوك زمانه شجاعة ومهابة وكرمًا وجودًا وعدلًا وحزمًا وعزمًا ودينًا وقام من بعده في الملك حفيده المنتصر أبو عبد الله محمد ابن الأمير أبي عبد الله محمد بن أبي فارس المذكور‏.‏

وتوفي سلطان بنجالة من بلاد الهند جلال الدين أبو المظفر محمد بن فندو وكان فندو يعرف بكاس‏.‏

كان أبوه فندو المذكور كافرًا فأسلم جلال الدين هذا وحسن إسلامه وبنى الجوامع والمساجد وعمر أيضًا ما خرب في أيام أبيه من المدن وأقام شعائر الإسلام وأرسل بمال إلى مكة وبهدية إلى مصر وطلب من الخليفة المعتضد بالله أبي الفتح داؤد تقليدًا بسلطنة الهند فبعث إليه الخليفة الخلعة والتشريف مع بعض الأشراف فوصلت الخلعة إليه ولبسها ودام بعدها إلى أن مات وأقيم بعده ولده المظفر أحمد شاه وعمره أربع عشرة سنة‏.‏

وتوفي صاحب بغداد شاه محمد بن قرا يوسف بن قرا محمد في ذي الحجة مقتولًا على حصن من بلاد القان شاه رخ بن تيمورلنك يقال له شنكان وأقيم بعده على ملك بغداد أميرزه علي ابن أخي قرا يوسف‏.‏

وكان شاه محمد المذكور رديء العقيدة يميل إلى دين النصرانية قبحه الله ولعنه وأبطل شعائر الإسلام من دار السلام وغيرها بممالكه وقتل العلماء وقرب النصارى ثم أبعدهم ومال إلى دين المجوس وأخرب البلاد وأباد العباد أسكنه الله سقر ومن يلوذ به من إخوته وأقاربه ممن هو على اعتقاده ودينه‏.‏

وتوفي الشيخ الإمام أبو الحسن علي بن حسين بن عروة بن زكنون الحنبلي الزاهد الورع في ثاني جمادى الآخرة خارج دمشق وقد أناف على الستين سنة‏.‏

وكان فقيهًا عالمًا شرح مسند الإمام أحمد وكان غاية في الزهد والعبادة والورع والصلاح رحمه الله‏.‏

 أمر النيل في هذه السنة

‏:‏ الماء القديم ستة أذرع وثلاثة أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة‏.‏

سبعة عشر ذراعًا وسبعة عشر إصبعًا‏.‏

السنة الرابعة عشرة من سلطنة الأشرف برسباي وهي سنة ثمان وثلانين وثمانمائة‏.‏

فيها توفي سلطان كربرجه من بلاد الهند شهاب الدين أبو المغازي أحمد شاه بن أحمد بن حسن شاه بن بهمن في شهر رجب بعد ما أقام في ملك كربرجه أربع عشرة سنة‏.‏

وتسلطن من بعده ابنه ظفر شاه واسمه أيضًا أحمد وكان السلطان شهاب الدين هذا من خير ملوك زمانه وله مآثر بمكة معروفة رحمه الله تعالى‏.‏

وتوفي الأمير الكبير سيف الدين طرباي بن عبد الله الظاهري جقمق نائب طرابلس في بكرة نهار السبت رابع شهر رجب من غير مرض فجأة بعد صلاة الصبح وهو جالس بمصلاه وقد تقدم من ذكره نبذة كبيرة في ترجمة الملك الصالح محمد بن ططر بما وقع له من جانبك الصوفي ثم مع الملك الأشرف حتى قبض عليه وحبسه بالإسكندرية مدة طويلة ثم أخرجه إلى القدس ثم ولاه نيابة طرابلس فدام به إلى أن مات‏.‏

وكان أميرًا ضخمًا جميلًا شهمًا مقدامًا دينًا خيرًا معظمًا في الدول لم يشهر عنه تعاطي شيء من القاذورات غير أنه كان يقتحم الرئاسة وفي أمله أمور فمات قبلها‏.‏

وهو أحد أعيان المماليك الظاهرية برقوق ورؤوس الفتن في تلك الأيام وكان أكبر منزلة من الملك الأشرف برسباي قديمًا وحديثًا وكان بينهما صحبة أكيدة عرفها له الأشرف وأخرجه من السجن وولاه طرابلس ولو كان غيره ما فعل معه ذلك لما سبق بينهما من التشاحن على الملك انتهى‏.‏

وتوفي السلطان أميرزه إبراهيم بن القان معين الدين شاه رخ ابن الطاغية تيمورلنك كوركان صاحب شيراز في شهر رمضان‏.‏

وكان من أجل ملوك جغتاي وأعظمهم كان يكتب الخط المنسوب إلى الغاية في الخسن يقارب فيه ياقوتًا المستعصمي ووجد عليه أبوه شاه رخ كثيرًا وكذلك أهل شيراز‏.‏

ثم في السنة أيضًا توفي أخوه باي سنقر بن شاه رخ بن تيمور صاحب مملكة كرمان في العشر الأول من ذي الحجة‏.‏

وكان باي سنقر ولي عهد أبيه شاه رخ في الملك وهو أشجع أولاد شاه رخ وأعظمهم إقدامًا وجبروتًا وهو والد من بقي الآن من ملوك جغتاي بممالك العجم وهم‏:‏ بابور وعلاء الدولة ومحمد والجميع أولاد باي سنقر هذا تولى تربيتهم جدتهم كهرشاه خاتون لمحبتها لأبيهم باي سنقر دون جميع أولادها ولهذا المعنى كان قدمه شاه رخ على ولده ألوغ بك صاحب سمرقند كل ذلك لميل زوجته كهرشاه إليه على أن ألوغ بك أيضًا ولدها بكريها غير أنها ما كانت تقدم على باي سنقر أحدًا من أولادها انتهى‏.‏

وتوفي الشريف زهير بن سليمان بن ريان بن منصور بن جماز بن شيحة الحسيني في محاربة كانت بينه وبين أمير المدينة النبوية مانع بن علي بن عطية بن منصور بن جماز بن شيحة في شهر رجب وقتل معه عدة من بني حسين‏.‏

وكان زهير المذكور من أقبح الأشراف سيرة كان خارجًا عن الطاعة ويخيف السبيل ويقطع الطريق ببلاد نجد والعراق وأرض الحجاز في جمع كبير فيه نحو الثلاثمائة فارس وعدة رماة بالسهام وأعيا الناس أمره إلى أن أخذه الله وأراح الناس منه‏.‏

وتوفي الحطي ملك الحبشة الكافر صاحب أمحرة من بلاد الحبشة وممالكه متسعة جدًا بعد أن وقع له مع السلطان سعد الدين صاحب جبرت حروب‏.‏

الماء القديم خمسة أذرع واثنان وعشرون إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة عشرون ذراعًا وثمانية عشر إصبعًا‏.‏

السنة الخامسة عشرة من سلطنة الأشرف برسباي وهي سنة تسع وثلاثين وثمانمائة‏.‏

وفيها توفي ملك تونس من بلاد إفريقية بالمغرب السلطان المنتصر بالله أبو عبد الله محمد ابن الأمير أبي عبد الله محمد ابن السلطان أبي فارس عبد العزيز المقدم ذكره ابن أحمد الهنتاتي الحفصي في يوم الخميس حادي عشرين صفر بتونس‏.‏

وكان ملك بعد جده أبي فارس فلم يتهن بالملك لطول مرضه وكثرت الفتن في أيامه وعظم سفك الدماء إلى أن مات‏.‏

وأقيم في مملكة تونس من بعده أخوه شقيقه عثمان فقتل عدة من أقاربه وغيرهم‏.‏

وكان من خبر المنتصر أنه ثقل في مرضه حتى اقعد وصار إذا سار إلى مكان يركب في عمارية على بغل وتردد كثيرًا في أيام مرضه إلى قصره خارج تونس للنزهة به إلى أن خرج يومًا ومعه أخوه أبو عمرو عثمان المقدم ذكره وهو يوم ذاك صاحب قسطنطينة وقد قدم عليه الخبر وولاه الحكم بين الناس ومعه أيضًا القائد محمد الهلالي فصار لهما مرجع أمور الدولة بأسرها وحجبا المنتصر هذا عن كل أحد‏.‏

فلما صارا معه في هذه المرة إلى القصر المذكور تركاه به وقد أغلقا عليه يوهمان أنه نائم ودخلا المدينة‏.‏

واستولى أبو عمرو عثمان المقدم ذكره على تخت الملك ودعا الناس إلى طاعته ومبايعته والهلالي قائم بين يديه‏.‏

فلما ثبت دولته قبض أيضًا على الهلالي وسجنه وغيبه عن كل أحد‏.‏

ثم التفت إلى أقاربه فقتل عم أبيه وجماعة كبيرة من أقاربه فنفرت عنه قلوب الناس‏.‏

وخرج عليه الأمير أبو الحسن ابن السلطان أبي فارس عبد العزيز متولي بجاية وحاربه ووقع له معه أمور يطول شرحها إلى أن مات أبو عمرو المذكور حسبما يأتي ذكره في محله وأما المنتصر فإنه قتل بعد خلعه بمدة وقيل مات من شدة القهر‏.‏

وفيها توفي قاضي القضاة الشريف ركن الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد الحنفي الدمشقي المعروف بدخان قاضي قضاة دمشق بها في ليلة الأحد سابع المحرم وقد أناف على ستين سنة‏.‏

وكان فقيهًا حنيفًا ماهرًا بارعًا في معرفة فروع مذهبه وله مشاركة في عدة فنون‏.‏

ونشأ بدمشق وبها تفقه وناب في الحكم ثم استقل بالقضاء بعد موت ابن الكشك وحمدت سيرته‏.‏

وهو ممن ولي القضاء بغير سعي ولا بذل ولو لم يكن من محاسنه إلا ذاك لكفاه فخرًا مع عريض جاهه بالشرف‏.‏

وتوفي التاج بن سيفا الشوبكي الدمشقي القازاني الأصل والي القاهرة في ليلة الجمعة حادي عشرين شهر ربيع الأول بالقاهرة وقد أناف على ثمانين سنة وهو فور على المعاصي والإسراف على نفسه وظلم غيره والتكلم بالكفريات‏.‏

وكان من قبائح الدهر ومن سيئات الملك المؤيد شيخ المحمودي لما اشتمل عليه من المساوىء وقد ذكر المقريزي عنه أمورًا شنعة واستوعبنا نحن أيضًا أحواله في ترجمته من تاريخنا المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي‏.‏

وكان من جملة ما قاله الشيخ تقي الدين المقريزي رحمه الله في حقه‏:‏ وكان وجوده عارًا على بني آدم قاطبة‏.‏

قلت‏:‏ وهو من قبيل من قيل في حقه‏:‏ الكامل قوم إذا صفع النعال قفاهم قال النعال‏:‏ بأي ذنب نصفع وتوفي الأمير سيف الدين قصروه بن عبد الله من تمراز الظاهري نائب دمشق في ليلة الأربعاء ثالث شهر ربيع الآخر‏.‏

وكان أصله من مماليك الملك الظاهر برقوق من إنيات جرباش الشيخي من طبقة الرفرف‏.‏

وترقى بعد موت استاذه الظاهر إلى أن صار من جملة أمراء العشرات‏.‏

ثم أمسكه الملك المؤيد وحبسه مدة ثم أطلقه في أواخر دولته‏.‏

ولما آل التحدث في المملكة للأمير ططر أنعم على قصروه المذكور بإمرة مائة وتقدمة ألف ثم صار رأس نوب النوب ثم أمير آخور كبيرًا في أواخر دولة الملك الصالح محمد بن ططر ودام على ذلك سنين إلى أن نقله السلطان الملك الأشرف برسباي إلى نيابة طرابلس بعد عزل إينال النوروزي وقدومه القاهرة على إقطاع قصروه المذكور واستقر في الأمير آخورية بعده الأمير جقمق العلائي‏.‏

فدام قصروه على نيابة طرابلس سنين ثم نقل بعد سنين إلى نيابة دمشق بعد موت الأتابك جارقطلو أيضًا فدام في نيابة دمشق إلى أن مات في التاريخ المقدم ذكره‏.‏

وكان أميرًا عاقلًا مدبرًا سيوسًا معظمًا في الدول‏.‏

وهو أحد من أدركناه من عظماء الملوك ورؤسائهم‏.‏

وهو أحد من كان سببًا لسلطنة الملك الأشرف برسباي وأعظم من قام معه حتى وثب على الملك‏.‏

وهو أيضًا استاذ كل من يدعى بالقصروي لأننا لا نعلم أحدًا سمي بهذا الاسم ونالته السعادة غيره‏.‏

وتولى بعده نيابة دمشق الأمير إينال الجكمي‏.‏

وتوفي الأمير فخر الدين عثمان المدعو قرايلك ابن الحاج قطلبك ويقال‏:‏ قطبك ابن طرعلي التركي الأصل التركماني صاحب ماردين وآمد وأرزن وغيرها من ديار بكر في خامس صفر بعد أن انهزم من إسكندر بن قرا يوسف وقصد قلعة أرزن فحيل بينه وبينها فرمى بنفسه في خندق المدينة لينجو بمهجته فوقع على حجر فشج دماغه ثم حمل إلى أرزن فمات بها بعد أيام وقيل بل غرق في خندق المدينة‏.‏

ومات وقد ناهز المائة سنة من العمر فدفن خارج مدينة أرزن الروم فنبش إسكندر عليه وقطع رأسه وبعث بها إلى الملك الأشرف فطيف بها ثم وكان أصل أبيه من أمراء الدولة الأرتقية الأتراك ونشأ ابنه عثمان هذا بتلك البلاد ووقع له مع ملوك الشرق وقائع‏.‏

ثم اتصل بخدمة تيمورلنك وكان جاليشه لما قدم إلى البلاد الشامية في سنة ثلاث وثمانمائة‏.‏

وطال عمره ولقي منه أهل ديار بكر وملوكها شدائد لا سيما ملوك حصن كيفا الأيوبية فإنهم كانوا معه في ضنك وبلاء‏.‏

وتداول حروبه وشروره مع الملوك سنين طويلة وكان صبارًا على القتال طويل الروح على محاصرة القلاع والمدن يباشر الحروب بنفسه‏.‏

ومع هذا كله لم يشهر بشجاعة وكان في الغالب ينهزم ممن يقاتله ثم يعود إليه غير مرة حتى يأخذه إما بالمصابرة أو بالغدر والحيلة‏.‏

وكذا وقع له مع القاضي برهان الدين أحمد صاحب سيواس ومع بيرعمر حتى قتلهما‏.‏

وفي الجملة فإنه كان من أشر الملوك غير أنه خير من بني قرا يوسف لتمسكه بدين الإسلام واعتقاده في الفقراء والعلماء‏.‏

ولما مات خلف عدة أولاد وأولاد الأولاد وهم إلى الآن ملوك ديار بكر وبينهم قتل وحروب تدوم بينهم إلى أن يفنوا جميعًا إن شاء الله تعالى‏.‏

وتوفي الشريف مانع بن عطية بن منصور بن جماز بن شيحة الحسيني أمير المدينة النبوية وقد خرج للصيد خارج المدينة في عاشر جمادى الآخرة‏.‏

وثب عليه الشريف حيدر بن دوغان بن جعفر بن هبة الله بن جماز بن منصور بن شيحة وقتله بدم أخيه خشرم بن دوغان أمير المدينة‏.‏

وتوفي الشيخ المسلك زين الدين أبو بكر بن محمد بن علي الخافي الهروي العجمي في يوم الخميس ثالث شهر رمضان بمدينة هراة في الوباء وكان أحد أفراد زمانه‏.‏

وخاف‏:‏ قرية من قرى خراسان بالقرب من مدينة هراة قلت‏:‏ وفي الشيخ زين الدين نادرة‏:‏ وهي أنه عجمي واسمه أبو بكر وهذا من الغرائب ومن لم يستغرب ذلك يأت بعجمي يكون اسمه أبا بكر أو عمر سنيًا كان أو شيعيًا‏.‏

وتوفي القاضي بدر الدين محمد بن أحمد بن عبد العزيز أحد أعيان الفقهاء الشافعية ونواب الحكم المعروف بابن الأمانة في ليلة الثلاثاء ثالث عشر شعبان‏.‏

ومولده في سنة اثنتين وستين وسبعمائة تخمينًا‏.‏

وكان فقيهًا بارعًا في الفقه والأصول والعربية كثير الاستحضار لفروع مذهبه وأفتى ودرس سنين وناب في الحكم مدة طويلة وشكرت سيرته وكان في لسانه مسكة تمنعه عن سرعة الكلام رحمه الله‏.‏

وتوفيت خوند جلبان بنت يشبك ططر الجاركسية زوجة السلطان الملك الأشرف برسباي وأم ولده الملك العزيز يوسف في يوم الجمعة ثاني شوال بعد مرض طويل ودفنت بتربة السلطان الملك الأشرف بالصحراء خارج الباب المحروق‏.‏

كان الملك الأشرف اشتراها في أوائل سلطنته واستولدها ابنه الملك عبد العزيز يوسف فلما ماتت خوند الكبرى أم ولده محمد المقدم ذكرها تزوجها السلطان وأسكنها قاعة العواميد فصارت خوند الكبرى ونالتها السعادة‏.‏

وكانت جميلة عاقلة حسنة التدبير ولو عاشت إلى أن ملك ابنها لقامت بتدبير دولته أحسن قيام‏.‏

وتوفي أحمد جوكي ابن القان معين الدين شاه رخ بن تيمورلنك في شعبان بعد مرض تمادى به عدة أيام فعظم مصابه على أبيه شاه رخ ووالدته كهرشاه خاتون فإنهما فقدا ثلاثة أولاد ملوك في أقل من سنة وهم‏:‏ السلطان إبراهيم صاحب شيراز وباي سنقر صاحب كرمان المقدم ذكرهما في السنة الخالية وأحمد جوكي هذا في هذه السنة‏.‏

وتوفي السلطان ملك بنجالة من بلاد الهند الملك المظفر شهاب الدين أحمد شاه ابن السلطان جلال الدين محمد شاه بن فندوكاس في شهر ربيع الآخر‏.‏

وثب عليه مملوك أبيه كالو الملقب مصباح خان ثم وزير خان وقتله واستولى على بنجالة وقد تقدم وفاة أبيه فى سنة سبع وثلاثين وثمانمائة من هذا الكتاب‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أحد عشر ذراعًا وعشرة أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة عشرون ذراعًا ونصف ذراع‏.‏

السنة السادسة عشرة من سلطنة الأشرف برسباي فيها كانت الواقعة بين الأمير خجا سودون أحد أمراء السلطان وبين الأتابك جانبك الصوفي وانكسر جانبك وأمسك قرمش الأعور الظاهري وكمشبغا أمير عشرة وقتلا حسبما تقدم ذكرهما في ترجمة الملك الأشرف‏.‏

وكان قرمش المذكور من أعيان المماليك الظاهرية برقوق وترقى حتى صار أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية‏.‏

وانضم على جانبك الصوفي أولًا وآخرًا‏.‏

وقبض عليه الملك الأشرف وحبسه بالإسكندرية ثم أطلقه وأرسله إلى الشام أمير مائة ومقدم ألف بها‏.‏

فلما عصى البجاسي صار من حزبه‏.‏

ثم اختفى بعد كسرة البجاسي إلى أن ظهر لما سمع بظهور جانبك الصوفي وانضم عليه وصار من حزبه إلى أن واقع خجا سودون وانكسر وقبض عليه‏.‏

وأما كمشبغا أمير عشرة فإنه كان أيضًا من المماليك الظاهرية برقوق ومن جملة أمراء حلب‏.‏

فلما بلغه خروج جانبك الصوفي سار إليه وقام بنصرته‏.‏

وقد تقدم ذكره ذلك كله غير أننا نذكره هنا ثانيًا لكون هذا محل الكشف عنه والإخبار بأحواله‏.‏

وتوفي الشيخ الأديب زين الدين عبد الرحمن بن محمد بن سليمان بن عبد الله المروزي الأصل الحموي المعروف بابن الخراط أحد موقعي الدست بالقاهرة وأعيان الشعراء في ليلة الاثنين أول المحرم بالقاهرة عن نحو ستين سنة ودفن من الغد‏.‏

وكان صاحبنا وأنشدنا كثيرًا من شعره‏.‏

لا والذي صاغ فوق الثغر خاتمه ما ذاك صدع بياض في عقائقه وإنما البرق للتوديع قبله أبقى به لمعة من نور بارقه وتوفي قاضي القضاة شمس الدين محمد ابن قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بي محمود الدمشمقي الحنفي المعروف بابن الكشك قاضي قضاة دمشق في يوم الثلاثاء ثالث عشر شهر ربيع الإول بدمشق وقد تقدم ذكر وفاة أبيه في سنة تسع وثلاثين وثمانمائة من هذا الجزء‏.‏

وتوفي قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن محمد بن صلاح الشافعي المصري المعروف بابن المحمرة بالقدس على مشيخة الصلاحية في يوم السبت سادس عشر شهر ربيع الآخر‏.‏

ومولده في صفر سنة تسع وستين وسبعمائة بالمقير خارج القاهرة وتكسب بالجلوس في حانوت الشهود سنين‏.‏

وكان فقيهًا بارعًا مفننًا كثير الاستحضار لفروع مذهبه وأفتى ودرس سنين وناب في الحكم وتولى مشيخة خانقاه سعيد السعداء ثم قضاء دمشق ثم مشيخة الصلاحية بالقدس إلى أن مات‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين أرغون شاه بن عبد الله النوروزي الأعور أستادار السلطان بدمشق بها في حادي عشرين شهر رجب وقد جاوز الستين سنة تخمينًا بعدما ولي الوزارة بالديار المصرية والأستادارية غير مرة‏.‏

وكان من الظلمة الفسقة كان شيخًا طوالًا أعور فصيحًا وتوفي الأمير حمزة بك بن علي بك بن دلغادر مقتولًا بقلعة الجبل في ليلة الخميس سابع عشر جمادى الأولى‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين برد بك بن عبد الله الإسماعيلي الظاهري برقوق وهو يوم ذاك أحد أمراء العشرات في جمادى الأولى بالقاهرة‏.‏

وكان جعله الملك الاشرف أمير طبلخاناة وحاجبًا ثانيًا ثم نفاه مدة ثم أعاده إلى القاهرة وأنعم عليه بإمرة عشرة‏.‏

وكان لا للسيف ولا للضيف يأكل ما كان ويضيق المكان‏.‏

وتوفي القاضي شمس الدين محمد بن يوسف بن صلاح الدمشقي المعروف بالحلاوي وكيل بيت المال في ليلة الخميس سادس شوال‏.‏

ومولده في سنة خمس وستين وسبعمائة بدمشق‏.‏

وقدم القاهرة واتصل بسعد الدين بن غراب ورشحه سعد الدين لكتابة السر‏.‏

ثم تردد لجماعة من الأكابر بعد سعد الدين وأخيه فخر الدين ابني غراب مثل بدر الدين الطوخي الوزير وغيره‏.‏

وكان حلو المحاضرة حسن المذاكرة مع قصر الباع في العلوم‏.‏

وكان كبير اللحية جدًا يضرب بطول لحيته المثل‏.‏

ولما مات سعد الدين بن غراب وأخوه فخر الدين ثم توفي الوزير بدر الدين الطوخي أيضًا قال فيه بعض شعراء العصر‏:‏ البسيط إن الحلاوي لم يصحب أخا ثقة إلا محا شؤمه منهم محاسنهم فزاد الحافظ شهاب الدين أحمد بن حجر بأن قال‏:‏ وابن الكويز وعن قرب أخوه ثوى والبدر والنجم رب اجعله ثامنهم قلت‏:‏ يعني بابن الكويز صلاح الدين بن الكويز وبأخيه علم الدين وبالبدر بدر الدين بن محب الدين المشير وبالنجم القاضي نجم الدين عمر بن حجي‏.‏

وفي طول لحيته يقول صاحبنا الشيخ شمس الدين الدجوي من أبيات كثيرة أنشدني غالبها أضربت عن ذكرها لفحش ألفاظها غير أنني أعجبني منها براعتها‏:‏ البسيط ظن الحلاوي جهلًا أن لحيته تغنيه في مجلس الإفتاء والنظر وأشعريتها طولًا قد اعتزلت بالعرض باحثة في مذهب القدر وتوفي الأمير قرقماس بن عذرا بن نعير بن حيار بن مهنا في هذه السنة‏.‏

وتوفي الشيخ شاب الدين أحمد ابن أبي بكر بن إسماعيل بن سليم بن قايماز بن عثمان بن عمر الأبوصيري الشافعي أحد مشايخ الحديث في ليلة الأحد ثامن عشرين المحرم‏.‏

وتوفي صاحب صنعاء اليمن الإمام المنصور نجاح الدين أبو الحسن علي ابن الإمام صلاح الدين محمد بن علي بن محمد بن علي بن منصور بن حجا بن يوسف الحسيني العلوي الشريف في سابع صفر بعد ما أقام في الإمامة بعد أبيه ستًا وأربعين سنة وثلاثة أشهر وأضاف إلى صنعاء وصعدة عدة من حصون الإسماعيلية أخذها منهم بعد حروب وحصار‏.‏

ولما مات قام من بعده ابنه الإمام الناصر صلاح الدين محمد بعهده إليه فمات بعد ثمانية وعشرين يومًا فأجمع الزيدية بعده على رجل منهم يقال له صلاح بن علي بن محمد بن أبي القاسم وبايعوه ولقبوه بالمهدي وهو من بني عمرو عم الإمام المنصور‏.‏

قلت‏:‏ والجميع زيدية بمعزل عن أهل السنة‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ستة أذرع وثمانية عشر أصبعا مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعًا وستة أصابع‏.‏

السنة السابعة عشرة من سلطنة الأشرف برسباي وهي سنة إحدى وأربعين وثمانمائة‏.‏

فيها كانت وفاة الأشرف المذكور في ذي الحجة حسبما تقدم ذكره‏.‏

وفيها كان الطاعون بالديار المصرية‏.‏

وكان مبدؤه من شهر رمضان وارتفع في ذي القعدة في آخره‏.‏

ومات فيه خلائق من الأعيان والرؤساء وغيرهم لكنه في الجملة كان أضعف من طاعون سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة‏.‏

وفيها توفي القاضي سعد الدين إبراهيم ابن القاضي كريم الدين عبد الكريم بن سعد الدين بركة ناظر الخاص الشريف وابن ناظر الخاص المعروف بابن كاتب جكم في يوم الخميس سابع عشر شهر ربيع الأول بعد مرض طويل وسنه دون الثلاثين سنة وحضر السلطان الصلاة عليه بمصلاة المؤمني من تحت القلعة ودفن عند أبيه بالقرافة‏.‏

وكان شابًا عاقلًا سيوسًا كريمًا مدبرًا‏.‏

ولي الخاص صغيرًا بعد وفاة أبيه فباشر بحرمة ونفذ الأمور وساس الناس وقام بالكلف السلطانية أتم قيام لا سيما لما سافر الملك الأشرف إلى آمد فإنه تكفل عن السلطان بأمور كثيرة تكلف فيها كلفة كبيرة‏.‏

كل ذلك وسيرته مشكورة إلا أنه كان منهمكًا في اللذات التي تهواها النفوس مع ستر وتجمل سامحه الله تعالى‏.‏

وتولى نظر الخاص من بعده أخوه الصاحب جمال الدين يوسف ابن القاضي كريم الدين عبد الكريم وهو مستمر على وظيفته مضافة لنظر الجيش وتدبير الممالك إلى يومنا هذا إلى أن مات حسبما يأتي ذكره في مواطن كثيرة من هذا الكتاب وغيره إن شاء الله تعالى‏.‏

وتوفي الأمير الكبير سيف الدين جانبك بن عبد الله الصوفي الظاهري صاحب الوقائع والأهوال والحروب في يوم الجمعة خامس عشرين شهر ربيع الآخر بديار بكر وقطعت رأسه وحملت إلى مصر وطيف بها على رمح ثم ألقيت في قناة سراب‏.‏

وقد تقدم ذكر ذلك كله مفضلًا في مواضع كثيرة وما وقع للناس بسببه بالديار المصرية والبلاد الشرقية غير أننا نذكر هنا أصله كان أصله من مماليك الملك الظاهر برقوق الصغار وترقى في الدولة الناصرية فرج إلى أن صار أمير مائة ومقدم ألف ثم ولاه الملك المؤيد رأس نوبة النوب ثم نقله بعد مدة إلى إمرة سلاح ثم أمسكه وحبسه إلى أن أطلقه الأمير ططر بعد موت المؤيد وأنعم عليه بإمرة وتقدمة ألف ثم خلع عليه باستقراره أمير سلاح بعد مسك قجقار القردمي ثم خلع عليه بعد سلطنته باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية ثم أوصاه الملك الظاهر ططر عند موته بتدبير ملك ولده الملك الصالح محمد‏.‏

ومات الملك الظاهر ططر فصار جانبك المذكور نظام الملك ومدبر الممالك فلم يحسن التدبير ولا استمال أحدًا من أعيان خجداشيته من الأمراء فنفروا عنه الجميع ومالوا إلى الأمير طرباي وبرسباي حسبما ذكرنا ذلك كله مفصلًا ولازالوا في التدبير عليه حتى خذلوه في يوم عيد النحر بعدما لبس آلة الحرب هو والأمير يشبك الجكمي الأمير آخور وأنزلوه من باب السلسلة بإرادته راكبًا وعليه آلة الحرب إلى بيت الأمير بيبغا المظفري فحال دخوله إلى البيت قبض عليه وقيد وحمل إلى القلعة ثم إلى ثغر الإسكندرية بعد أن كان ملك مصر في قبضته وأمسك معه يشبك الجكمي أيضًا وحبس بثغر الإسكندرية كل ذلك في أواخر ذي الحجة من سنة أربع وعشرين‏.‏

ودام جانبك في سجن الإسكندرية مكرمًا مبجلًا إلى أن حسن له شيطانه الفرار منه فأوسع الحيلة في ذلك حتى فر من سجنه في سنة سبع وعشرين وثمانمائة‏.‏

فعند ذلك حل به وبالناس بلاغ الله المنزل المتداول سنين عديدة ذهب فيها أرزاق جماعة وحبس فيها جماعة كثيرة من أعيان الملوك وضرب فيها جماعة من أعيان الناس وأماثلهم بالمقارع وجماعة كثيرة من الخاصكية أيضًا ضربوا بالمقارع والكسارات‏.‏

وأما ما قاساه الناس من كبس البيوت ونهب أقمشتهم وما دخل عليهم من الخوف والرجيف فكثير إلى الغاية ودام ذلك نحو العشر سنين فهذا ما حل بالناس لأجل هروبه‏.‏

وأما ما وقع له فأضعاف ذلك فإنه صار ينتقل من بيت إلى بيت والفحص مستمر عليه في كل يوم وساعة حتى ضاقت عليه الدنيا بأسرها وأراد أن يسلم نفسه غير مرة وقاسى أهوالًا كثيرة إلى أن خرج من مصر إلى البلاد الشامية وتوصل إلى بلاد الروم حسبما حكيناه‏.‏

وانضم عليه جماعة من التركمان الأمراء وغيرهم وقاموا بأمره أحسن قيام حتى استفحل أمره فغلب خموله وقلة سعادته تدبيرهم واجتهادهم إلى أن مات‏.‏

وكان شجاعًا فارسًا مفننًا مليح الشكل رشيق القد كريمًا رئيسًا إلا أنه كان قليل السعد مخمول الحركات مخذولًا في حروبه‏.‏

حبس غير مرة ونفد عمره على أقبح وجه ما بين حبس